الجمعة، 8 مايو 2009

وطنيات البنا


وطنية الحنين
إن كان دعاة الوطنية يريدون بها حب هذه الارض وألفتها والحنين إليها ، والانعطاف نحوها ، فذلك أمر مركوز فى فِطـَر النفوس من جهة ، مأمور به فى الإسلام من جهة أخرى ، وإن بلالا الذى ضحى بكل شىء فى سبيل عقيدته ودينه هو بلال الذى كان يهتف فى دار الهجرة بالحنين إلى مكة فى أبيات تسيل رقة وتقطر حلاوة :
ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة .. بواد وحولــى إذخر وجليـــل
وهل أردْن يومـا ميـاه مجنـَّة .. وهل يبدونْ لى شامة وطفيل

وطنية الحرية والعزة
وإن كانوا يريدون أن من الواجب العمل بكل جهد فى تحرير البلد من الغاصبين وتوفير استقلاله له وغرس مبادىء العزة والحرية فى نفوس أبنائه فنحن معهم فى ذلك أيضا ، وقد شدد الإسلام فى ذلك أبلغ التشديد ، فقال تبارك وتعالى : " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون " ، ويقول : " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " .

وطنية المجتمع
وإن كانوا يريدون بالوطنية تقوية الروابط بين أفراد القطر الواحد وإرشادهم إلى طريق استخدام هذه التقوية فى مصالحهم فذلك نوافقهم فيه أيضا ، ويراه الإسلام فريضة لازمة فيقول نبيه ( صلى الله عليه وسلم ) : " وكونوا عباد الله إخوانا " ، ويقول القرآن الكريم : " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون " .

وطنية الفتح
وإن كانوا يريدون بالوطنية فتح البلاد وسيادة الأرض فقد فرض ذلك الإسلام ووجه الفاتحين إلى أفضل استعمار وأبرك فتح ، فذلك قوله تعالى : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ... "


حدود وطنيتنا
أما وجه الخلاف بيننا وبينهم ، فهو أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة وهم يعتبرونه بالتخوم الأرضية والحدود الجغرافية ، فكل بقعة فيها مسلم يقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وطن عندنا له حريته وقداسته وحبه والإخلاص له والجهاد فى سبيل خيره ، وكل المسلمين فى هذه الأقطار الجغارفية أهلنا وإخواننا ، نهتم لهم ونشعر بشعورهم ونحس بإحساسهم . ودعاة الوطنية فقط ليسوا كذلك ، فلا يعنيهم إلا أمر تلك البقعة المحدودة الضيقة من رقعة الأرض .

حسن البنا : دعوتنا ( الرسائل )

الخميس، 7 مايو 2009

" أنا " .. صوفيـًا


إن مفتاح العالم بيد الإنسان ، ومعلق على نفسه ، فالكون يبدو وكأن أبوابه مفتحة ظاهرا إلا أنها منغلقة فى الحقيقة . فالحق سبحانه وتعالى أودع - من جهة الأمانة - فى الإنسان مفتاحا - يسمى " أنا " - يفتح كل أبواب العالم ، وأودعه أنانية ذات طلاسم يفتح ويكشف بها الكنوز المخفية لخلاق الكون ، إلا أن " أنا " هى - فى ذاتها - معمًّى فى غاية الغموض ، وطلسم مشكل فتحه وكشفه ، فإذا عرفت ماهيتها الحقيقية ، وسر خلقتها ؛ ينفتح الكون كما تنفتح هى نفسها .

وذلك : أن الصانع الحكيم قد جعل بيد الإنسان - أمانةً - " أنا " جامعة لإشارات ونماذج تُعرِّف وتُظهر حقيقة صفات وشئون ربوبيته ؛ حتى تصبح " أنا " هذه وحدة قياس وتُعرف بها صفات الربوبية وشئون الألوهية ، إلا أنه لا يلزم أن تكون وحدة القياس موجودا حقيقيا ، بل يمكن أن تشكل وحدة قياس - بالفرض والتوهم لا بالعلم والتحقق - كالخطوط الافتراضية فى الهندسة .

بديع الزمان النورسى : أنا والذرة ( الرسالة الثلاثون من رسائل النور )