الاثنين، 27 أبريل 2009

رفض التاريخ علميا


وكثيرا ما يعرض للسامعين قبول الأخبار المستحيلة وينقلونها وتؤثر عنهم كما نقل المسعودى عن الإسكندر لمّا صدته دواب البحر عن بناء الإسكندرية ، وكيف اتخذ تابوت الخشب وفى باطنه صندوق الزجاج وغاص فيه إلى قعر البحر حتى كتب صور تلك الدواب الشيطانية التى رآها وعمل تماثيلها من أجساد معدنية ونصبها حذاء البنيان ففرت تلك الدواب حين خرجت وعاينتها وتم له بناؤها .

فى حكاية طويلة من أحاديث خرافة مستحيلة من قبل اتخاذه التابوت الزجاجى ومصادمة البحر وأمواجه بجرمه .....

وهذه كلها قادحة فى تلك الحكاية والقادح المحيل لها من طريق الوجود أبين من هذا كله وهو : أن المنغمس فى الماء ولو كان فى الصندوق يضيق عليه الهواء للتنفس الطبيعى وتسخن روحه بسرعة لقلته ، فيفقد صاحبه الهواء البارد المعدل لمزاج الرئة والروح القلبى ويهلك مكانه .

وهذا هو السبب فى هلاك أهل الحمامات إذا أطبقت عليهم عن الهواء البارد والمتدلين فى الآبار والمطامير العميقة المهوى إذا سخن هواؤها بالعفونة ولم تداخلها الرياح فتخلخله فإن المتدلى فيها يهلك لحينه .

وبهذا السبب يكون موت الحوت إذا فارق البحر فإن الهواء لا يكفيه لتعديل رئته إذ هو حار فيستولى الحار على روحه الحيوانى ويهلك دفعة ، ومنه هلاك المصعوقين وأمثال ذلك .


عبد الرحمن بن خلدون : المقدمة

ليست هناك تعليقات: