الاثنين، 13 ديسمبر 2010

العظـَمة


العظمة أمر وراء العلم والشعر ، والإمارة والوزارة ، والثروة والجاه ، فالعلماء والشعراء والنبلاء كثيرون ، والعظماء منهم قليلون ، وإنما هى قوة روحية موهوبة غير مكتسبة تملأ نفس صاحبها شعورا بأنه رجل غريب فى نفسه ومِزاج عقله ونزعات أفكاره وأساليب تفكيره غير مطبوع على غِرار الرجال ، ولا مقدود على مثالهم ، ولا داخل فى كلية من كلياتهم العامة ، فإذا نزلت نفسُه من نفسه هذه المنزلة أصبح لا ينظر إلى شىء من الأشياء بعين غير عينه ، ولا يسمع بأذن غير أذنه ، ولا يمشى فى طريق غير الطريق التى مهدها بيده لنفسه ، ولا يجعل لعقل من العقول مهما عظم شأنه وشأنُ صاحبه سلطانا عليه فى رأى أو فكر أو مشايعة لمذهب أو مناصبةٍ لطريقةٍ ، بل يرى لشدة ثقته بنفسه ، وعلمه بضعف ثقة الناس بنفوسهم أن حقا على الناس جميعا أن يستقديوا له ، وينزلوا على حكمه ويترسموا مواقع أقدامه فى مذاهبه ومراميه فترى جميع أعماله وآثاره غريبة نادرة بين آثار الناس وأعمالهم تبهر العيون ، وتدهش الأنظار ، وتملأ القلوب هيبة وروعة ..

ليس معنى الوجود فى الحياة أن يتخذ المرء لنفسه نفقا يتصل أوله بباب مهده وآخره بباب لحده ثم ينزلق فيه انزلاقا من حيث لا تراه عين ولا تسمع دبيبه أذن حتى يبلغ نهايته ، كما تفعل الهوام والحشرات والزاحفات على بطونها من بنات الأرض ، وإنما الوجود قرع الأسماع ، واجتذاب الأنظار ، وتحريك أوتار القلوب ، واستثارة الألسنة الصامتة وتحريك الأقلام الراقدة ، وتأريث نار الحب فى نفوس الأخيار ، وحمرة البغض فى نفوس الأشرار ، فعظماء الرجال أطول الناس أعمارا وإن قصرت حياتهم ، وأعظمهم حظا فى الوجود وإن قلت على ظهر الأرض أيامهم .

كن الناطق الذى تحمل الريح صوته إلى مشارق الأرض ومغاربها ، ولا تكن الريح التى تختلف إلى آذان الناس بأصوات الناطقين من حيث لا يأبهون لها ، ولا يعرفون لها يدها ، كن النبتة النضرة التى تعتلج ذراتُ الأرض فى سبيل نضرتها ونمائها ، ولا تكن الذرة التى تطؤها الأقدام ، وتدوسها الحوافر والأخفاف .

كن زعيم الناس إن استطعت ، فإن عجزت فكن زعيم نفسك ..

المنفلوطى : النظرات - الجزء الثالث

الأربعاء، 23 يونيو 2010

المماليك التجارية .. يهود العصور الوسطى فى الغرب


ويمكننا أن نشبه أعضاء الجماعات اليهوديةفى العصور الوسطى (فى الغرب) بالمماليك، وهم جماعة وظيفية أخرى كانت تعمل بالقتال. فأعضاء الجماعة اليهودية كانوا ملكية خاصة للإمبراطور، وهم مثل المماليك مختلفون إثنيا ووظيفيا (ومختلفون كذلك دينيا فى حالة اليهود) عن بقية أفراد الشعب. وقد كانت وظيفتهم ، محاربين أو تجارا، تتطلب أن يظلوا غرباء عن المجتمع. فالتجارة كانت نشاطا كريها ولم تكن قط نشاطا أساسيا فى العصور الوسطى ، أما القتال فقد كان وظيفة غير محببة ويتطلب تملك ناصيتها قدرا من التفرغ. ومع هذا لم يكن اليهود مماليك مسلحين . وقد يكون من المناسب أن نسميهم "المماليك التجارية" .

وكان المماليك التجارية داخل الحضارة الغربية، مثلهم مثل المماليك، أداة استغلال ومحط كراهية الجماهير، وكانوا عزلا غير مسلحين، وقد كانت خطورة وضعهم داخل الحضارة الغربية كامنة فى النظر إليهم باعتبارهم جماعة تكتسب طابعا عاما مجردا، فكان الهجوم مثلا على اليهود يُنظر إليه وكأنه اقتحام أحد المصارف أو تحطيم لآلات المصنع على نحو ما كان يفعل العمال فى أوربا فى القرن التاسع عشر الميلادى. ويمكن النظر إلى عملية طردهم باعتبارها كانت تساوى عملية تأميم رأس المال الأجبنى، تماما مثلما يحدث الآن فى بلاد العالم الثالث عندما تظهر طبقة تجارية محلية تضطلع بأعمال التجارة والمال، أو حينما تقوم الدولة ذاتها بهذه الوظائف فتؤمم البنوك وتطرد العنصر الأجبنى.

عبد الوهاب المسيرى .. اليهود فى عقل هؤلاء

الجمعة، 21 مايو 2010

أشلاء تركستان


وبعد أن استعمر الروس بلاد تركستان ، شرعوا فى تنفيذ مخططهم السوفيتى لتفتيت وتمزيق شمل هذه الشعوب الإسلامية ، وقطع الصلات بين حاضرها وماضيها والقضاء على ديانتها ومدنيتها من أجل نشر الإلحاد والشيوعية بين أرجائها .


ففى خلال النصف الأول من القرن العشرين قام البلاشفة الشيوعيون عملا بالسياسة الاستعمارية "فرِّق تسد" بتفريق وتمزيق الشعوب التركستانية المسلمة إلى عدة قوميات مستقلة ، نسبة إلى المقاطعات على أساس لهجاتهم المختلفة التى تنتمى فى الأصل إلى لغة واحدة ، وأسموها جمهوريات ، فأقيمت فى القوقاز وهى بلاد الكرج وجورجيا وأذربيجان وداغستان وبلاد الشركس والأرمن وأيديل أورال والقرم جمهوريات ضمت إلى الاتحاد السوفيتى كما جزئت تركستان الغربية - بعد أن ضمت الصين تركستان الشرقية إلى حوزتها - إلى ست جمهوريات هى : أوزبكستان وتاجكستان وقازاقستان وقيرغيزستان وقراقلباقستان ، وأصبحت تحت نفوذ السوفيت ، وحُكموا حكما مباشرا .


وإمعانا فى خلخلة تجمعاتهم الإسلامية ، وقطع صلاتهم بين حاضرهم وماضيهم والقضاء على مدنيتهم ، قامت الحكومة السوفيتية بنفى الآلاف من الأتراك المسلمين إلى مجاهل سيبيريا ، واستقدمت ألوفا مؤلفة من الروس والسلاف والأوكران إلى هذه البلاد .


فنجد مثلا أن الروس أصبحوا يشكلون الآن 43% من سكان جمهورية قازاقستان ، وانخفض عدد المسلمين بها إلى 52% بعد أن كانوا يشكلون نحو 70% من سكانها ، كما أصبح العنصر الروسى يشكل 29% من سكان جمهورية قيرغيزستان ، وانخفضت نسبة المسلمين إلى أقل من 75% بعد أن كانت تشكل 92% من مجموع سكانها .


شيرين عبد المنعم : مسلمو تركستان والغزو السوفيتى