الجمعة، 12 ديسمبر 2008

العيد .. يوم حب وجمال بعيون أطفال


جاء يوم العيد ؛ يوم الخروج من الزمن إلى زمن وحده لا يستمر أكثر من يوم .
زمن قصير ظريف ضاحك ، تفرضه الأديان على الناس ، ليكون لهم بين الحين والحين يوم طبيعى فى هذه الحياة التى انتقلت عن طبيعتها .
يوم السلام ، والبشر ، والضحك ، والوفاء ، والإخاء ، وقول الإنسان للإنسان : وأنتم بخير .
يوم الثياب الجديدة على الكل إشعارا لهم بأن الوجه الإنسانى جديد فى هذا اليوم .
يوم الزينة التى لا يراد منها إلا إظهار أثرها على النفس ، ليكون الناس جميعا فى يوم حب .


يوم العيد ؛ يوم تقديم الحلوى إلى كل فم لتحلو الكلمات فيه ...
يوم تعم الناس فيه ألفاظ الدعاء والتهنئة مرتفعة بقوة إلهية فوق منازعات الحياة .
ذلك اليوم الذى ينظر الإنسان إلى نفسه نظرة تلمح السعادة ، وإلى أهله نظرة تبصر الإعزاز ، وإلى داره نظرة تدرك الجمال ، وإلى الناس نظرة ترى الصداقة .
ومن كل هذه النظرات تستوى له النظرة الجميلة إلى الحياة والعالم ؛ فتبتهج نفسه بالعالم والحياة .وما أسماها من نظرة تكشف للإنسان أن الكل جماله فى الكل !
***

وخرجت أجتلى العيد فى مظهره الحقيقى على هؤلاء الأطفال السعداء .
على هذه الوجوه النضرة التى كبرت فيها ابتسامات الرضاع فصارت ضحكات .
وهذه العيون الحالمة التى بكت بكت بدموع لا ثقل لها .
وهذه الأفواه الصغيرة التى تنطق بأصوات لا تزال فيها نبرات الحنان من تقليد لغة الأم .
وهذه الأجسام الغضة القريبة العهد بالضمات واللثمات فلا يزال حولها جو القلب .

على هؤلاء الأطفال السعداء الذين لا يعرفون قياسا للزمن إلا بالسرور .
وكل منهم ملك فى مملكة ؛ وظَرفهم هو أمرهم الملوكى .
هؤلاء المجتمعين فى ثيابهم الجديدة المصبغة اجتماع قوس قزح فى ألوانه .
ثياب عملت فيها المصانع والقلوب ، فلا يتم جمالها إلا بأن يراها الأب والأم على أطفالها .
ثياب جديدة يلبسونها فيكونون هم أنفسهم ثوبا جديدا على الدنيا .

فيا أسفا علينا نحن الكبار ! ما أبعدنا عن سر الخلق بآثام العمر !
وما أبعدنا عن سر العالم ، بهذه الشهوات الكافرة التى لا تؤمن إلا بالمادة !
يا أسفا علينا نحن الكبار ! ما أبعدنا عن حقيقة الفرح !
تكاد آثامنا والله تجعل لنا فى كل فرحة خجْلة ...

أيتها الرياض المنورة بأزهارها ، أيتها الطيور المغردة بألحانها ، أيتها الأشجار المصفقة بأغصانها ، أيتها النجوم المتلأ لئة بالنور الدائم ، أنت شتى ولكنك جميعا فى هؤلاء الأطفال يوم العيد .

مصطفى صادق الرافعى : من وحى القلم ( الجزء الأول )

هناك 5 تعليقات:

أحمد أبو خليل يقول...

كل عام وأنتم تنعمون بالحب ، وترفلون فى الجمال .. تعيشون بعيون الأطفال

Moslma-N يقول...

بعد كلام استاذنا مصطفى لا يوجد تعليق
و لكن قد تكون هناك مشاعر
الحقيقية ان النظرة المادية للاشياء و خطايانا بالفعل حجبت عنا رؤية اشياء جميلة و لكن فى العيد قد يكون الامر مختلف بعض الشىء , ففرحة العيد فرحة يضعها الله فى قلوب عباده فهى
منحة من الله حتى على الذى لا يستحق
كما ان السرور لا يقاس بثياب جديدة و لا قطعة حلوى
اما عن الاطفال فضحكتهم البريئة تشعرك بالسعادة فى اى وقت و اى زمان و لكن فقط تحتاج ضحكاتهم لمن يلاحظها
و ارى ان الكبار هم الذين يمنحون هذه الفرحة للصغار , فقد يفرح الكبير اذا لم يرتدى ثوب جديد و لكن الصغير قد يصيبه بعض الحزن لعدم لبسه الجديد كباقى اقرانه
الطفل هنا لا يحكم بالماديات و لكن يحكم بالاشياء الملموسة التى تزيد الفرحة
اما الكبار فيشعرون و يحبون اذا ارادوا ان يتناسوا الماديات و كما تقول يترفلون فى الجمال بارادتهم اذا يريدون
صحيح يعنى ايه يترفلون؟:-)

أحمد أبو خليل يقول...

لولا أنى آليت ألا أخرج مشاعرى على هذه الصفحة حيث موطنها الطبيعى هناك عند " أبو القسام " لكنت معلقا أيضا بمشاعرى .

ولكن فقط أحب أن أجيب على سؤالك ، وابدأ من تصحيح لفظ الفعل فهو : يرفلون ، من رف يرفل ، أى يسير فى ثياب فضفاضة سابغة على كافة جسده ، وقد استخدمها امروء القيس فى بيته المشهور :

ولفد دخلت على الفتاة الخدر فى اليوم المطير *الكاعب الحسناء ترفل فى الدمستق والحرير

ومعناها فى كلامى هو أن يمتمتع الإنسان بالجمال كأنه ثوب حريرى قد فصل عليه تفصيلا ، يتيه به المرء فيفيض عليه حسنا من كل جانب .

Moslma-N يقول...

جزاك الله خيرا على التصحيح و زادك الله علما و كل عام و انت ترفل فى الجمال

رفعت الباشا يقول...

لو كنتَ ذكرتَ عنوان المقالة الذي وضعه لها الرافعي رحمه الله رحمة واسعة وجزاه عنا خير
أقول لو وضعتَ عنوانها الأصلي " اجتلاء العيد " لكان أفضل بكثير في رأيي
عامة
جزيتَ خيرا