من خلال تأملاتى فى تجاربى وتجارب الآخرين أصبح عندى رؤية ومفهوم للزواج . فكنت دائما أخبر نفسى وغيرى أن السعادة لا تهبط هكذا من السماء ، وإنما هى مثل العمل الفنى ، لابد أن يكد المرء ويتعب فى صياغته وصنعه . والزواج ، مثل العمل الفنى أيضا ، ومثل أى شىء إنسانى مركب ، يحتوى على إمكانات سلبية وإيجابية ، ولا يمكن فصل الواحد عن الآخر . وكثيرا ما كنت أخبر طالباتى بأن الحب الحقيقى هو أن يقبل الواحدُ الآخرَ ويعرف أن محاسنه مرتبطه تمام الارتباط بمثالبه .
كما طورت مفهوم " إعادة الزواج من نفس الزوجة " ، إذ تتغير الظروف والأوضاع وتتغير الشخصية والتوقعات فيعاد النظر فى أسس العلاقة ويعاد تشكيلها بما يتفق مع الرؤية الجديدة . وأزعم أننى تزوجت من زوجتى ثلاث مرات ، المرة الأولى تقليدية ، والثانية بعد حصولى على الدكتوراه ، والثالثة بعد حصولها هى على الدكتوراه . ولعل مفهوم " إعادة الزواج من نفس الزوجة " قد يحل بعض المشكلات التى يقابلها الناس فى زيجاتهم ، إذ يتصور كل طرف فى العلاقة الزوجية أن الآخر نمط محدد لا يتغير ، ومن ثم فالتوقعات ، والأحزان والأفراح ، لا تتغير . وهو تصور غير إنسانى ، فثمة قدر من الثبات ، ولكن ثمة قدرا من التغيير أيضا ، ولا بد أن يأخذ الإنسان كل شىء فى الحسبان .
عبد الوهاب المسيرى : رحلتى الفكرية .. فى البذور والجذور والثمر
هناك تعليق واحد:
فى آخر أول لقاء رأيت فيه الدكتور المسيرى ( كان ذلك فى ندوته الشهرية بجمعية مصر للثقافة والحوار ) وجدته يقول ، لن أستطيع أن أتناقش معكم الليلة حول موضوع المحاضرة ، لأن زوجتى تنتظرنى فى الخارج ، فنحن على موعد حفل فى السينما هذا المساء !
خرجت هذه العبارات من فم الرجل كمن يتحدث عن موعد مع خطيبته ليس أكثر من ذلك ، ولم أجد لها تفسيرا كافيا اللهم إلا إذا كانت جزءا من عبارات الرسول صلى الله عليه وسلم التى وجهها لجيشه فى طريق عودته من إحدى الغزوات بأن يتقدموا ويتركوه هو وزوجه السيدة عائشة .
هذا الأمر جعلنى فى حيرة من أمر العلاقات ( الحقيقية العميقة )طويلة الأمد بين الأزواج والزوجات والتى أعتبرها أمرا نادر الحدوث ، ويصعب تعميمه أو حتى التنبؤ به ، ولذلك اعتبرت تعدد الزوجات من الحلول الناجعة لهذا الأمر ، ولكن كلام المسيرى هنا أعاد تشكيل هذه النظرية عندى ، وأكمل الحلقة المفرغة فيها .
إذ أن النفس البشرية لكلا الزوجين لا محالة متغيرة ، والمحك يكون إذا تفاهما ذلك واستمرا بنفس القدر من التغير والزيادة فسيستمران للأبد ، بلا أى قدر من الفتور فى العلاقة ، أما إذا لم يعرفا كيفية التعامل مع هذا التغيير فبالتالى يصبحان فى حاجة لحلول أخرى ، والنتيجة تكون واحدة ، فزيجة واحدة لا تكفى ، وإن كانت زوجة واحدة تكفى .
إرسال تعليق