الأربعاء، 13 أغسطس 2008

الإسلام والمسيحية الشمالية .. مراحل الصراع



والآن تستطيع أن تتبين أربع مراحل واضحة للصراع الذى دار بين المسيحية الشمالية ولإسلام :


المرحلة الأولى :

صراع الغضب لهزيمة المسيحية فى أرض الشام ودخول أهلها فى الإسلام ، فبالغضب أمَّلت اختراق دار الإسلام لتسترد ما ضاع ، تدفعها بغضاء حية متسامحة ، لم تمنع ملكا ولا أميرا ولا راهبا أن يمد المسلمين بما يطلبونه من كتب " علوم الأوائل " ، ( الإغريق ) ، التى كانت تحت يد المسيحية يعلوها التراب ، وظل الصراع قائما لم يفتر ، أكثر من أربعة قرون .

المرحلة الثانية :

صراع الغضب المتفجر المتدفق من قلب أروبة ، مشحونا ببغضاء جاهلية عاتية عنيفة مكتسحة مدمرة سفاحة للدماء ، سفحت أول ما سفحت دماء أهل دينها من رعايا البيزنطية ، جاءت تريد هى الأخرى ، اختراق دار الإسلام ، وذلك عهد الحروب الصليبية الذى بقى فى الشام قرنين ، ثم ارتد خائبا إلى مواطنه فى قلب أوربة .

المرحلة الثالثة :


صراع الغضب المكظوم الذى أورثه اندحار الكتائب الصليبية ، من تحته بغضاء متوهجة عنيفة ، ولكنها مترددة يكبحها اليأس من من اختراق دار الإسلام مرة ثالثة بالسلاح وبالحرب ، فارتدعت لكى تبدأ فى إصلاح خلل الحياة المسيحية ، بالاتكاء الشديد الكامل على علوم دار الإسلام ، ولكى تستعد لإخراج المسيحية من مأزق ضنك موئس ، وظلت على ذلك قرنا ونصف قرن .

المرحلة الرابعة :

صراع الغضب المشتعل بعد فتح القسطنطينية ، يزيده اشتعالا وتوهجا وقود من لهيب البغضاء والحقد الغائر فى العظام على " الترك " ، ( أى المسلمين ) ، وهم شبح مخيف مندفع فى قلب أوربة ، يلقى ظله على كل شىء ،ويفزع كل كائن حى أو غير حى بالليل و بالنهار ، وإذا كانت المراحل الثلاث الأول لم تصنع للمسيحية شيئا ذا بال ، فصراع الغضب المشتعل بلهيب البغضاء والحقد هو وحده الذى صنع لأوربة كل شىء إلى يومنا هذا .

صنع كل شىء ، لأنه هو الذى أدى بهم إلى يقظة شاملة قامت على الإصرار ، وعلى المجاهدة والمثابرة على تحصيل العلم وعلى إصلاح خلل الحياة المسيحية ، ولكن لم يكن لها يومئذ من سبيل ولا مدد ، إلا المدد الكائن فى دار الإسلام ، من العلم الحى عند علماء المسلمين ، أو العلم المسطر فى كتب أهل الإسلام . فلك يترددوا ، وبالجهاد الخارق ، وبالحماسة المتوقدة ، وبالصبر الطويل ، انفكت أغلال " القرون الوسطى " بغتة عن قلب أوروبة ، وانبعثت نهضة " العصور الحديثة " مستمرة إلى هذا اليوم .
محمود محمد شاكر : رسالة فى الطريق إلى ثقافتنا

ليست هناك تعليقات: